...

ياسر التلاوى يكتب: مافيا صناعة التفاهة

يا بلدنا فيكي حاجة مجنناني ـ نزرع القمح في سنين يطلع القرع في ثواني .. لم يكن يدري الشاعر القدير صلاح جاهين الذي كتب هذ الكلمات الخالدة أنه يصف ويشرح واقع السوشيال ميديا الموازي للإعلام الذي نعيشه الآن على أيدي بعض الدخلاء الجهلاء على المهنة المقدسة التي ينظر إليها الغرب على أنها “القوة الناعمة” الأكثر قدرة على التأثير الإيجابي ، بينما تسمح بعض الشاشات الفضائية ، التي تعد إحدى أذرع ومخططات امبراطورية السوشيال ميديا ، لأشخاص ما أنزل الله بهم من سلطان ليمارسوا هوايتهم المقيتة في تجريف العقول وحشوها بكل ما يمت للهيافة بصلة .. إنهم مافيا صناعة التفاهة الذين ، وبكل أسف ، يحتلون المقاعد الأمامية في بعض الفضائيات.

فقد ابتليت ساحتنا الإعلامية ببعض “العاهات” التي تتمعن في إهدار الوقت وتسطيح العقل والجري وراء “ركوب” التريند والفرقعة بدلاً من رفع الوعي وزرع الانتماء.

ومن بين تلك “الظواهر الإعلامية” الجديرة بالتحليل والبحث عن علاج .. ذلك الصراع المستعر بين بعض الوجوه المحسوبة خطأً على الإعلام والذين يتصدرون المشهد ليس من باب الثقافة والاطلاع وإنما من باب الضحالة والسطحية التي تصل إلى درجة ما نلقاه من مشاهد لا تحتمل السكوت.

فعلى سبيل المثال لا الحصر ، تتمعن بعض الوجوه المفروضة على المشاهدين ، مثل رضوى الشربيني وياسمين عز ، في تغييب وعي المتابعين بزرع فتن وخناقات ومشادات وتجاذبات داخل كل بيت مصري حول ما يجب وما لا يجب على الزوج والزوجة .. وكل هذا يدس كالسم في العسل تحت شعار الحقوق والواجبات .. ففي حين تطالب رضوى الشربيني البنات والنساء بالتمرد على حياتهن مع الرجال .. توغل ياسمين عز في الدعوة للانبطاح والاستسلام وتصل لدرجة أن المرأة جارية عند الرجل .. وبالطبع لا هذا مقبول ولا ذاك.

ليس هذا فحسب .. فهناك عدة تساؤلات مشروعة في هذه الفوضى الإعلامية .. فمن المسئول عن بروز نجم شخصية مثل نهاد أبو القمصان وتصريحاتها التي لا هدف محدد لها غير ركوب الترند ، ومن وراء استضافة مذيع فى قناة كبيرة لشخصية مثل “سوسته” صاحب مهزلة “مهرجان شيماء” ، المعروف بالبطة ، أو استضافة سلمى الشيمى اللى متعرفش بتعمل إيه غير انها تعرت من ملابسها وقامت بالتقاط صور مثيرة لها أمام الأهرامات كما قام هذا المذيع باستضافة الراقصة صافينار ليس لشيء سوى أدائها رقصة مثيرة للغرائز فى أحد الأفلام .. ومن يقف وراء انتشار “مايكل جاكسون المصري وويجز الغلابة” الذى غنى “انتش وأجري” والذى يجيد العزف بأنفه بحركة تدخل دائرة العيب وقلة الأدب فى التقاليد والأعراف المصرية.

ومن الذي يجعل الناس تفكر فى كلام سمية الخشاب ووفاء عامر وكلام الأساتذة عن الرضاعة وأجر الرضاعة والست من حقها تنام برا البيت ، فهل هذه هي الرسالة المطلوبة أو المأمولة من الإعلام .. وهل أصبح هذا هو الطريق الأوحد للنجومية.

ومن الذي سمح بخروج د. سعاد صالح ونهاد أبو القمصان للحديث عن عدم أحقية خدمة الزوجة لزوجها .. فهل هذا يمت بصلة للآية الكريمة “وجعل بينكم مودة ورحمة”.

ومن الذى يدفع الجماهير للانشغال فى كل هذه المساخر والتفاهات ومن المسئول عن إلهاء الشباب في كل ما هو تافه وهايف بدلاً من بناء شخصياتهم والبحث عن ذاتهم والحفاظ على هويتهم ، والنتيجة الحتمية طبعا انصراف التلاميذ عن المذاكرة بل وكراهية العملية التعليمية برمتها.

وهل نستطيع الإجابة على التساؤلات الآتية : كم عدد المصريين الذين يعرفون أن مصر ستستضيف مؤتمر قمة المناخ .. وما هي أهدافه ونتائجه ، وما هي المساحات الإعلامية المخصصة للعلماء والرموز المضيئة للمصريين .. بالتأكيد لا حس ولا خبر.

في الواقع أن الإجابة على جميع التساؤلات السابقة ستقودنا بالتأكيد لمعرفة السبب الحقيقي لافتعال بعض هذه المنصات الإعلامية للمعارك الوهمية “الفنكوشية” ، في حين ننصرف عن المعارك الحقيقية والأهداف التي نأمل تحقيقها في الجمهورية الجديدة مثل تطوير التعليم وبناء الوطن والتربية السياسية السليمة مثل الاشتراك فى الأحزاب السياسية .

وفي النهاية يحق لنا طرح هذا السؤال الجوهري : هل تواجه مصر مافيا صناعة التفاهة .. وهل هناك من يساعد هذه المافيا لكي نهمل بناء الوطن .. ونحن في انتظار الإجابة .. مع العلم بأن الجمهور لن يصبر على الاستماع للقنوات التى تقدم التفاهة وسيتركها لا محالة بعد اكتشاف حقيقة أمرها والهدف من وجودها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى